غزة/ الداخلية:
تتبنى المديرية العامة للإصلاح والتأهيل فلسفة الإصلاح منهجًا وهدفًا في التعامل مع النزلاء المحكومين، انطلاقاً من رسالة وزارة الداخلية والأمن الوطني، وانسجاماً مع التوجه العالمي نحو حماية حقوق الإنسان.
ويُعد الجانب الإنساني لظروف النزيل، المعيار الأول في استراتيجية مراكز الإصلاح والتأهيل، بموازاة ضمان حق الرعاية الصحية لمن يحتاجها، وكذلك الخدمات التعليمية بدءًا من محو الأمية والتعليم الأساسي، مرورًا بالدراسة الجامعية وانتهاء بالدراسات العليا.
وتحقيقًا لما سعت إليه مراكز الإصلاح والتأهيل منذ تأسيسها، فقد تم إنشاء وتطوير ستة مراكز لإصلاح وتأهيل النزلاء في محافظات قطاع غزة الخمسة، إضافة لمركز تأهيل "النساء" بمدينة غزة.
وبحسب مدير عام المديرية العامة للإصلاح والتأهيل العميد علاء الهندي فإن إنشاء تلك المراكز والعمل بها، جاء وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبما يضمن حقوق النزلاء ورعايتهم اجتماعياً وصحياً وثقافياً، ليكونوا بالقرب من سُكنى ذويهم ولتسهيل زيارتهم.
وأوضح العميد "الهندي"، في حديث خاص بموقع "الداخلية"، أن المديرية زوّدت مراكزها بجميع المرافق المتاحة، كالمسجد والمكتبة وقاعة للتدريب والاستخدامات العامة، مساهمة في الجوانب الإصلاحية والإدماجية التي تتضمنها سياستها التأهيلية للنزلاء.
التدريب المهني
ومن أهم البرامج التي تعمل على تغيير سلوك النزيل هو إكسابه مهنة أو حرفة يكسب منها قوته وقوت عائلته، سواءً أثناء فترة سجنه أو بعد انتهاء محكوميته وانخراطه مرةً أخرى في المجتمع.
ومن هنا نشأت فكرة "النزيل المنتج" للعمل على استغلال فترة سجن النزيل، وتقويم سلوكه، وتحسين مزاجه النفسي، بما يحيله إلى شخص منتج يخدم مجتمعه داخل السجن وخارجه.
وفي هذا الصدد، قال "الهندي" إن المديرية اعتمدت في عملية تأهيلها وإصلاحها للنزلاء، على برامج تدريبية خاصة بالمشاريع المهنية، لتنمية وصقل مهاراتهم وقدراتهم العملية، واستغلال الطاقات الكامنة وتسخيرها بالاتجاه الصحيح، حيث افتتحت 6 ورش فنية يعمل فيها أكثر من 200 نزيل بشكل متواصل.
وتابع بقوله: "علاوة على ذلك، أنشأت مديرية الإصلاح والتأهيل مخبزًا آليًا ومصنعًا للخياطة بمركز إصلاح وتأهيل الوسطى، ومركزاً للتدريب المهني للنزلاء بمركز خانيونس، ومطبخين للنزيلات بمركزي غزة والوسطى".
إشراقة أمل
وعلى صعيد تأهيل وإصلاح النزيلات، فقد عقدت المديرية العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل عدة فعاليات، كان أبرزها افتتاح معرضي "إشراقة أمل" (الأول والثاني عامي 2017 و2019) لمُنتجات النزيلات، ومعارض أخرى لمأكولات صنعتها النزيلات.
واشتملت المعارض على المطرزات اليدوية، منها: الأثاث المنزلي، والأثواب النسائية، وشالات، وحقائب مطرزة، إلى جانب أشكال فنية وساعات وخرائط، وزاوية خاصة للملابس الصوفية، وأخرى للمأكولات والحلويات.
وشكّل المعرضان فرصة للنزيلات لإثبات أنفسهن بعد خروجهن من مراكز الإصلاح والتأهيل، وسد احتياجاتهن الأساسية، سعيًا إلى تعزيز مفهوم إعادة إصلاح وتأهيل النزيلة اجتماعياً وثقافياً ومهنياً.
صروح تربوية وتعليمية
وفي جانب آخر، أوضح العميد "الهندي" أن العديد من البرامج التعليمية تنفذ حالياً داخل مراكز الإصلاح بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، من ضمنها "محو الأمية، التعليم الموازي، الثانوية العامة، المرحلة الجامعية".
وبيّن أن النزيل بعد خوضه امتحانات محو الأمية، يلتحق ببرنامج التعليم الموازي للصفوف المدرسية في التعليم النظامي، الذي يؤهله للحصول على شهادة الثانوية العامة.
وكشف أن 183 نزيلاً التحقوا ببرامج التعليم الموازي بالمديرية خلال الفترة الماضية، بينما التحق 224 نزيلًا في برامج محو الأميّة، و35 نزيلًا في التعليم الجامعي.
وأفاد أن مديريته تقدم برامج ودورات تعليمية أخرى، مثل دورات أحكام تلاوة القرآن الكريم، والمحاضرات الثقافية والتوعوية والدينية، التي كان من ثمارها خلال الفترة السابقة، مشروع "إصلاح جيل" الذي يشمل سلسلة دورات متنوعة، ومشروع نسخ القرآن الكريم.
اتصال وتواصل
ومن باب إتاحة حق تواصل النزيل مع ذويه، أشار الهندي إلى أن مديرية الإصلاح والتأهيل منحت النزلاء لديها أكثر من 50 ألف زيارة لذويهم، إلى جانب نحو 309 آلاف اتصال هاتفي خارجي محلياً ودولياً، في مبادرة إنسانية مجانية لتعزيز الإجراءات الوقائية، وتوفير بيئة صحية آمنة في ظل جائحة كورنا، حيث تم إلغاء الزيارات مع بدء انتشار الفيروس في قطاع غزة.
ولفت إلى أن مراكز الإصلاح والتأهيل المختلفة مكّنت النزلاء لديها من إجراء 3800 اتصال مرئي بذويهم عبر الإنترنت، ضمن تدابير الوقاية من كورونا.
ومن جهة أخرى، أوضح الهندي أن مراكز الإصلاح والتأهيل تمنح إجازات بيتية للنزلاء الذين لم يرتكبوا مخالفات أمنية أو جنائية خطيرة، وذلك وفقاً للقانون وبالاتفاق مع الجهات المختصة في وزارتي العدل والداخلية، وبما لا يضر بمصلحة المجتمع العليا والسلم المجتمعي.
وزاد في حديثه: "أسهمت المديرية بتقديم قرابة 10 آلاف استشارة قانونية، وإبداء ملاحظات ومقترحات بشأن النزلاء ووضعهم القانوني، كإحدى آليات توفير خدمات العون الاجتماعي المجاني للنزلاء".
وحدة المعايشة
وقال الهندي إن مراكز الاصلاح والتأهيل لم تغفل حق النزيل بالخلوة الشرعية؛ بهدف ممارسة حقهم الطبيعي في الالتقاء بأزواجهم، وأيضاً كوسيلة لضبط سلوكيات النزيل.
وقد افتتحت المديرية مُؤخراً "وحدة معايشة عائلية" مُخصصة للقاءات المعايشة بين النزلاء وذويهم بمركز إصلاح وتأهيل خانيونس، في إطار تمكين النزلاء المُصنفين "خطرين" الذين لا تسمح طبيعة قضاياهم بمنحهم إجازات منزلية، من التقاء عوائلهم في أجواء أُسرية للتخفيف من الضغوط النفسية والاجتماعية نتيجة البعد عن ذويهم.
رعاية طبية
وحفاظًا على سلامة النزلاء، أنشأت المديرية العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل عيادة طبية في كل مركز من مراكزها، تُديرها مديرية الخدمات الطبية العسكرية، وتُعنى بالمتابعة الصحية والنفسية للنزلاء، وكذلك الموقوفين في مراكز الشرطة.
وقدَّمت تلك العيادات، منذ تأسيسها، أكثر من 44 ألف خدمة طبية، ما بين كشف الطبي الدوري، والتحاليل المخبرية، والمتابعات الكشفية عبر أطباء تخصصيين، في حين يتم تحويل من تستلزم حالتهم الصحية من النزلاء المرضى إلى المستشفيات لتلقي الرعاية اللازمة.
برامج رياضية وترفيهية
ولما لممارسة الرياضة والنشاط البدني من تأثير في تغيير السلوك الإنساني للنزلاء، عكفت مراكز الإصلاح والتأهيل على توفير البرامج والأنشطة الرياضية المختلفة للنزلاء، إذ عقدت قرابة 3 آلاف نشاط رياضي وبدني خلال السنوات العشر الماضية، و1100 نشاط ترفيهي، بالإضافة إلى الرحلات الترفيهية التي تجمع بين النزلاء وذويهم.
كما قدمت المديرية لنزلائها أكثر من 11 ألف دورة تثقيفية ومحاضرة توعوية؛ استثماراً لأوقاتهم وتطويراً لمهاراتهم وسعياً للارتقاء بهم نحو الأفضل خلال فترة محكومياتهم، أو بعد انقضائها.
وأمام ما سبق، فقد اتبعت وزارة الداخلية سياسة شاملة لإصلاح وتأهيل النزيل لتكون بالمحصلة فترة وجوده في السجن فرصةً لإصلاح وتقويم سلوكه؛ لينخرط في المجتمع ويُصبح مواطناً صالحاً ينفع أهله ووطنه وشعبه، فأحالت السجون إلى مراكز تأهيل وإصلاح شامل.