تقرير: "الداخلية 12 عاماً".. مسيرة تضحيةٍ وبناء

31 ديسمبر/كانون الأول 2018 الساعة . 09:57 ص   بتوقيت القدس

غزة/ الداخلية:

على مدار اثني عشر عاماً مضت من عُمر قطاع غزة، وبالرغم من قساوة العدوان والحصار، إلا أن الوضع الأمني في هذه البقعة المُحاصرة، المكتظة بالسّكان، شهد حالة غير مسبوقة من الأمن والاستقرار، والسلم الأهلي والمجتمعي، ولم يأت ذلك من فراغ، لكنه كان بفضل منظومة أمنية شُيدت على أسس وطنية، بسواعد رجالٍ حملوا همّ وطنهم وشعبهم، ولم تُثنهم التحديات عن تحقيق رسالتهم، يستمدون قوتهم من شعب واعٍ، سطّر – في كل المحطات - ملاحم عظيمة من الصمود والتضحية.

حالة أمنية فريدة

فمنذ تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة، عقب الانتخابات التشريعية في يناير من العام 2006، ورثت وزارة الداخلية والأمن الوطني – بقيادة الشهيد الوزير سعيد صيام ورفاقه – تركة مُثقلة بالتحديات والعقبات، أبرزها حالة الفلتان الأمني وتصدّع الأجهزة الأمنية السابقة، لكنها أخذت على عاتقها مواجهة كل ذلك، فعملت بكل قوة في إعادة بناء الأجهزة الأمنية وفق عقيدة سليمة، حتى قضت على الفلتان الأمني، وأوقفت تغول الأجهزة الأمنية السابقة على المواطنين، ورسخت مبدأ سيادة القانون، وبثّت الأمن والطمأنينة في نفوس المواطنين، حتى شهد لها بذلك الخصم قبل الحليف.

أزعجت تلك الحالة الأمنية، والتحام الشعب مع حكومته وفي القلب منها وزارة الداخلية، الاحتلال الإسرائيلي، الذي خطط لاستئصال هذه المنظومة والقضاء عليها، فَشنّ عدواناً مسعوراً ضد قطاع غزة نهاية عام 2008، هدَفَ من ورائه لإسقاط هذا المشروع، وإدخال غزة في أتون الفوضى، عبر استهداف وتدمير أكثر من 90% من المقرات الأمنية والشرطية، وقد خلّف مئات الشهداء والجرحى وعلى رأسهم مدير عام الشرطة اللواء توفيق جبر ومدير جهاز الأمن والحماية العقيد إسماعيل الجعبري.

نهضت وزارة الداخلية والأمن الوطني من تحت الركام؛ لتقوم بواجبها تجاه شعبها، وتحفظ تماسُك الجبهة الداخلية وتحمي ظهر المقاومة الباسلة، فقاد الشهيد الوزير سعيد صيام العمل من قلب الميدان، حتى ارتقى شهيداً في قصف غادر استهدفه مساء الخميس، الخامس عشر من يناير 2009، لتواصل قيادة الوزارة المسيرة من بعده.

مسيرة البناء

قادت وزارة الداخلية - بُعيد انتهاء العدوان - مسيرة البناء والإعمار لما دمره الاحتلال من مقرات أمنية ومراكز شرطية، فتولى الوزير فتحي حماد المهمة من جديد، فكان خير خلف لخير سلف، لتُدشّن الوزارة مرحلة جديدة من تاريخها، وتُحدث نقلة نوعية في مسيرتها، فعلى مدار سنوات عديدة تم إعادة بناء عشرات المراكز والمقرات، وإعادة إعمار معبر رفح وحاجز كرم أبو سالم جنوب القطاع، رافعة راية التحدي لمشروع الحصار، فاستحدثت عدداً من الإدارات المركزية في الوزارة، كالعمليات المركزية، وكلية الرباط الجامعية، وغيرها.. التي كان لها بصمة واضحة في تطور عمل الوزارة على الصُّعد المهنية والتدريبية والبشرية.

وبالتزامن مع ذلك أولت قيادة الوزارة اهتماماً كبيراً بالجوانب التدريبية والتعليمية والتأهيلية، فإلى جانب استيعاب كادر بشري جديد يقوم بدوره في مشروع البناء، تولت كلّ من المديرية العامة للتدريب وكلية الرباط الجامعية تدريب كادر الوزارة وتأهيله على صعيد العلوم الأمنية والشرطية داخلياً وخارجياً، حيث الدورات التدريبية المتواصلة، إضافة إلى الابتعاث في الخارج لعدد من ضباط الوزارة وأركانها في عدد من الدول العربية، للاستفادة من تجاربها وخبراتها في هذا الصدد.

حماية الجبهة الداخلية

ومن متطلبات مشروع حماية ظهر المقاومة الذي تبنّته أجهزتها الأمنية، أحرزت وزارة الداخلية تقدماً نوعياً في مواجهتها لأجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي من خلال محاربة آفة التخابر والعمالة وخطورتها، وهي تُراكم – منذ سنوات - إنجازات ونجاحات مُستمرة في هذا الصدد.

وقد انتهجت الوزارة في ذلك سبيلين متوازيين: أولاهما الجهود الأمنية والاستخبارية للقبض على العملاء والحد من خطرهم على المقاومة والجبهة الداخلية، والثاني الحملات التثقيفية لشرائح المجتمع المختلفة من خطورة الانزلاق إلى هذا المربع المُهلك، وقد كان لتلك الجهود آثارٌ ملموسةٌ في القبض على عدد من العملاء الخطرين، واستتابة عدد آخر، وتوعية أبناء شعبنا، لاسيما فئة الشباب.

ونظراً لوقوع قطاع غزة في دائرة الاستهداف من قبل الاحتلال والأيادي العابثة، فقد تعرض القطاع لعمليات أمنية وجرائم جنائية شابت الحالة الأمنية المستقرة، كحادثة اغتيال الشهيد "فقها" في مارس 2017، ومحاولة اغتيال اللواء "أبو نعيم" في أكتوبر من نفس العام، وتفجير موكب رئيس الوزراء في مارس 2018، إلا أن وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية واجهت تلك الجرائم بقوة واقتدار، وضربت بيد من حديد، حيث تمكنت خلال فترات وجيزة من كشف ملابسات جميع تلك الجرائم، وضبط مُرتكبيها، وتقديمهم للعدالة، في خطوات رادعة لهم ولغيرهم ممن تسوّل له نفسه العبث بأمن غزة وسكانها.

ويعيش قطاع غزة حالة خاصة باعتباره بؤرة للأحداث بشكل مستمر، لذلك، تعمَد وزارة الداخلية على رفع كفاءة أجهزتها وإداراتها، وعملها في أوقات الطوارئ والأزمات، حيث نفّذت خلال الفترة الماضية سلسلة من مناورات اختبار الجهوزية بهدف الارتقاء بالأداء إلى أفضل مستوى، لحفظ الجبهة الداخلية ودعم صمود المواطنين في أوقات العدوان وحالات الطوارئ.

وعلى صعيد مكافحة تجارة المخدرات ومنع تهريبها، أسهمت المنظومة الأمنية في وزارة الداخلية إسهاماً كبيراً؛ إدراكاً منها لاستهداف غزة وشبابها من قبل الأيادي العابثة خدمة للاحتلال، ووقفت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالشرطة سداً منيعاً أمام مُهربي المخدرات ومروجيها، حيث تم خلال السنوات الأخيرة توجيه ضربات كبرى لمُهربي المُخدرات ومُروجيها، وتجفيف منابعهم، فضلاً عن الإسهام في مثول المُهربين الخطرين أمام القضاء العسكري لتحقيق العقوبات الرادعة.

الخدمات المدنية

ولم يكن الشق المدني في وزارة الداخلية بمنأى عن مسيرة البناء والتطوير، فقد أحدثت الوزارة تطوراً ملموساً، على صعيد الخدمات المدنية المُقدمة لأكثر من مليوني نسمة في القطاع، فبات المواطن لا ينتظر أكثر من دقائق معدودة لاستلام معاملاته، سواء في الأحوال المدنية أو الجوازات وغيرها، من خلال مديريات الداخلية المنتشرة في جميع محافظات القطاع، والتي تم تحديث صالاتها وتطويرها لاستقبال المواطنين في أفضل صورة.

كما تقوم طواقم الوزارة في هذا الجانب – وبشكل مستمر - بمشروعات لتحديث أنظمتها الإلكترونية وتأهيل كوادرها، بما يواكب التطورات المتسارعة؛ لضمان أفضل خدمة للجمهور، وتحقيق رضا المواطنين.

وعلى صعيد مراقبة عمل الجمعيات، تعمل أطقم الشق المدني وفق "البرنامج الوطني لمؤشرات الأداء"، الذي تم إطلاقه منذ سنوات، ويهدف لتقييم أداء الجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية في قطاع غزة، كما تقوم إدارة شؤون الأجانب والإقامات بدورها في متابعة الأجانب والوافدين إلى القطاع وتسهيل عملهم.

وفي ذات السياق طوّرت الخدمات الطبية العسكرية مراكزها الطبية ومستشفياتها المُنتشرة في جميع محافظات القطاع، لتقوم بدورها في خدمة منتسبي الوزارة وعموم المواطنين على حدّ سواء، حيث تستقبل عيادات: الأطفال، والولادة، والأسنان، والطب العام، المواطنين من جميع الفئات لتُقدم لهم خدماتٍ طبيةً راقية، وقوفاً منها إلى جانب أبناء شعبنا ومساهمةً في الجانب الإغاثي للمتطلبات الأساسية الحياتية في ظل الحصار والعدوان.

انتماءٌ للمجتمع

وعلى صعيد آخر، حققت الداخلية مستوى متطوراً من العلاقة المتميزة مع المجتمع، من خلال فتح آفاق التواصل مع الجمهور وتوصيل رؤية الوزارة ورسالتها بأفضل صورة، تَحقّق ذلك من خلال تحسين الخدمات وتطوير الأداء، وتنفيذ حملات كان من أبرزها "حملة كرامة المواطن وهيبة الشرطي"، وتنظيم العلاقات العامة في الوزارة لعدد من الزيارات والجولات لنخب المجتمع وفئاته، ساهمت جميعها في تعزيز علاقة الوزارة بتلك النخب وتعريفهم عن قرب بعمل أجهزة الوزارة وإنجازاتها.

وإيماناً منها بالدور الكبير الذي تلعبه العشائر والوجهاء في الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، أسست وزارة الداخلية "المجلس الأعلى للإصلاح"، الذي يعمل بشكل حثيث في إصلاح ذات البين، والحد من تفاقم المشكلات العائلية وما تسببه من أضرار على المواطنين والمجتمع، ويبذل جهوداً مُضنية في هذا الشأن.

تأهيل النزلاء

واستمراراً في الدور الإنساني للوزارة وأجهزتها، ولإدراكها أن العقاب وحده لا يُجدي في إصلاح من اقترفوا جرائم بحق مجتمعهم، أفردت وزارة الداخلية اهتماماً خاصاً بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، فهي تعي أن هؤلاء ما هم إلا مواطنون يجب إعادة دمجهم في المجتمع، وقد أطلقت مشاريع عديدة لإعادة تأهيل النزلاء وإصلاحهم على الصّعد النفسية والشخصية والمهنية، من خلال التعاون مع العديد من المؤسسات والجمعيات ذات العلاقة، في إصلاح وتأهيل النزلاء إلى جانب تدريب وتأهيل الضباط والعناصر الأمنية على التعامل معهم.

فكانت مشاريع تعليمية مثل برنامج محو الأمية، والثانوية العامة والتعليم الجامعي للنزلاء، إلى جانب مشاريع إنتاجية مثل "النزيل المنتج"، ومخبز النزلاء، ومشاريع إنتاجية للنزيلات، فضلاً عن برامج تأهيلية نفسية وفكرية وتربوية، كل ذلك وفقاً لرؤية الوزارة ورسالتها في خدمة المجتمع.

مسيرات العودة

ومن أبرز تجلّيات التحام وزارة الداخلية مع شعبها، وقوف الوزارة وأجهزتها جنباً إلى جنب مع قوى الشعب وفصائله وجماهيره في مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت في الثلاثين من مارس الماضي، كصورة مُشرقة جديدة من صور نضال شعبنا ضد الاحتلال والحصار. فقد وضعت الوزارة إمكاناتها، وسخّرت قدرات أجهزتها الأمنية والخدماتية في خدمة الجماهير الفلسطينية التي انتفضت سلمياً في مسيرات العودة؛ قرب السياج الفاصل لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة.

وتواصل أجهزة الوزارة وإداراتها – على مدار أكثر من 9 أشهر – تقديم الدعم والإسناد للمواطنين في تلك المسيرات، من خلال تأمين التظاهرات والفعاليات، وتسهيل تحرك المواطنين ومنع أي مُعيقات أمنية أو ميدانية، كما تؤدي الأجهزة الخدمية في الوزارة (الدفاع المدني والخدمات الطبية العسكرية) دورها الإنساني في تقديم الخدمات الطبية والإسعافية للجرحى. وقد قدّمت الوزارة منذ انطلاق الفعاليات 15 شهيداً من منتسبيها، إلى جانب أكثر من 500 جريح بإصابات متنوعة.

ختاماً، تستمر وزارة الداخلية والأمن الوطني بأجهزتها وإداراتها كافة في أداء رسالتها السامية، وتلبية نداء شعبها في كل الميادين والمحطات، مُتسلحة بعزيمة أبنائها الشرفاء، واحتضان شعبها العظيم، في مواجهة التحديات والصعاب.