العميد بنات: نسعى للاستفادة من طاقات النزلاء المعطلة وإعادة دمجهم
غزة/ الداخلية/ محمد الزرد:
تتهادى قطرات العرق من جباههم كأنها ندى يروي تراب أوطانهم ويطهر قلوبهم, قلَّبوا تراب وطنهم بسواعدهم ليزرعوا أملاً جديداً لحياتهم, فمن ألبابهم اقتلعوا ذاكرة زمن مغمس بوحل الجريمة, ومن عيونهم يرمقون مستقبل واعد ينتظرهم وينتظر أسرهم .
هذه قصة كفاح وأمل واعد يخوضها نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني بسواعدهم, ليؤسسوا من جديد قواعد متينة لحياة جديدة نظيفة من الجريمة.
تحدٍ كبير
بدأت الحكاية بتحدٍ كبير واجهته وزارة الداخلية في سبيل إيجاد سبل وطرق مساعدة للتخفيف من أسباب الوقوع في شراك الجريمة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن عبر خطط استراتيجية تأمل من خلالها إصلاح المجتمع وجعله أمناً مستقراً, فأطلقت مشروع "النزيل المنتج" لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من خلال إعادة تأهيلهم ودمجهم ليكونوا معاول بناء في المجتمع.
وبما أن "الإصلاح والتأهيل" ههما شعاري مديرية مراكز الإصلاح والتأهيل التي تواصل جهودها في تأهيل النزلاء, أوجدت المشاريع التشغيلية التي تعطي للنزلاء فرصاً جديدة من أجل اكتساب بعض الحرف والمهن التي تعود عليهم وعلى أسرهم بالعائد المادي الذي يُغنيهم عن سؤال الناس.
يقول مدير عام مراكز الإصلاح والتأهيل العميد ماهر بنات: " ساهم مشروع النزيل المنتج بشكل كبير وفعَّال في عملية إعادة دمج النزلاء في المجتمع من جديد وهو _عنصر بناء_ يمتلك حرفه ومهنة ستعينه على الابتعاد عن السلوكيات الغير قانونية".
رؤية ورسالة
وأضاف العميد بنات خلال لقائه مع "موقع الداخلية": "نسعى إلى تحقيق رؤيتنا ورسالتنا المتمثلة في إصلاح النزيل وتأهيله حتى يخرج بعد قضاء محكوميته وهو قادر على الاندماج في المجتمع ولديه نظرة إيجابية له".
وأرجع العميد بنات_ أسباب الانحرافات والسلوكيات السلبية للنزلاء_ إلى تردي الوضع الاقتصادي, وعدم وجود مهنة وحرفة لهم يعتشون من خلالها, الأمر الذي يدفعهم للبحث عن طرق وسلوكيات مخالفة للقانون لإعالة أسرهم.
وأشار إلى أن مديرية مراكز الإصلاح تسعى بشكل متواصل إلى إيجاد طرق وآليات للاستفادة من طاقات النزلاء المعطلة والغير مستغلة, وخروجهم من حلاتهم النفسية المتردية, حتى يصبحوا معاول إنتاج للمجتمع.
استغلال الوقت
ولفت العميد بنات إلى أن النزلاء يمتلكون _أثناء فترة عقوبتهم داخل مراكز الإصلاح_ وقت فائض يجعل عقولهم تحت هجوم الأفكار السلبية, الأمر الذي دفعهم إلى ضرورة استغلال هذا الوقت الهالك دون فائدة عبر استثماره بما ينفع النزيل ويعيد تأهيله على حد قوله.
ونوه إلى أن أغلب النزلاء التي وقعت عليهم العقوبة هم أصحاب أُسر, الأمر الذي أوجب عدم تعدي عقوبة النزيل نفسه إلى أسرته, فتطلب ذلك وجود برنامج تأهيلي انتاجي يمكن أن يعود على أهل النزيل بالعائد المادي.
مشاريع إنتاجية
من جهته أشار مدير المشاريع الإنتاجية في مديرية الإصلاح والتأهيل الرائد علاء داود إلى أن النزلاء تعلموا خلال هذه المشاريع بعض الحرف والمهن المختلفة التي تساعده فيما بعد في الاعتماد على أنفسهم ومساعدة أهلهم.
وأوضح أن النزيل المنتج يتلقى أجراً مماثلا لأجور العمل وهو خارج مراكز الإصلاح مقابل عمله ضمن المشاريع الإنتاجية؛ منوهاً إلى أن هذا الأمر يحدث لأول مرة في السجون الفلسطينية.
وبيّن أن من ضمن هذه المشاريع "مشروع زراعة الأراضي الزراعية بمناطق المحررات بمساحة 57 دونم , ومشروع مصنع البلوك, ومشروع مزارع الدواجن والتي تتسع ل 5 ألاف صوص, ومشروع التطريز, ومشروع مخبز المعجنات".
وتهدف هذه المشاريع إلى تدريب وتشغيل العديد من النزلاء لإكسابهم الخبرات في مجال المزروعات وتربية الدواجن والتطريز وغيرها من المهن والحرف اليدوية".
النزلاء يشيدون
بدورهم أشاد النزلاء بهذه المشاريع الإنتاجية وبالجهود التي تبذلها مراكز الإصلاح والتأهيل في تقويم سلوكهم وتعليمهم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع.
يقول النزيل أبو محمد وهو معيل لأسرة مكونة من 5 أفراد نعمل في هذه الأرض لنساعد أنفسنا على كسب قوتنا وقوت أسرنا حتى نغنيهم عن سؤال الناس.
وأشار إلى أن مديرية الإصلاح والتأهيل ساهمت بشكل كبير عبر هذا المشروع في التخفيف عن الحالة النفسية التي يعيشها النزلاء داخل مراكز الإصلاح وأبعدت عنهم الكبت النفسي .
ويتفق النزيل أبو نضال مع زميله مشيراً إلى أن هذا المشاريع تساهم في خروجهم من الغرف المغلقة إلى الهواء الطلق والمساحات الشاسعة, الأمر الذي يولد لديهم الراحة النفسية وتجديد النشاط.
وأوضح أن هذه المشاريع حوَّلت شخصية النزيل من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي منتج ينفع نفسه ويحسن الوضع الاقتصادي لأسرته.
بدورها قالت النزيلة "أم أسعد": "كانت حياتي داخل مراكز الإصلاح والتأهيل مؤلمة جداً مع وجود الفراغ الكبير الذي كنت أعيشه قبل أن أتعلم حرفة التطريز فمن قبل لم يكن لدي هدف للمضي فيه ولكن الان لدي طموح ومستقبل جديد ينتظرني بعد أن أخرج من هذا المكان.